
إنشقاق أم استهبال سياسي…!!!
صوت العقل
شوكير ياد
طالعنا بالأمس خبرا تناولته الاوساط العامة في جوبا ، عن اعلان إنشقاق مجموعة من الضباط داخل الجبهة التي يترأسها الجنرال المعارض للحكومة، توماس سريلو.
وقالت المجموعة المنشقة ، في حيثيات بيانها، بأنها أقالت الجنرال سريلو عن منصبه ، لاسباب تتعلق بعدم رغبة الأخير في التوصل الى السلام ، وعدم الاهتمام بقواته العسكرية على الارض، بالإضافة الى تفضيله البقاء بالخارج.
ويمكن القول الى هنا ، بأن الأمر يبدو عاديا بالنسبة لنا حول دوافع المجموعة المنشقة، حيث اعتدنا على مسألة الانشقاقات الكثيرة ، وحركة التنقلات الكثيرة من والى ، والتي أشبه بحركة تنقلات لاعبي كرة القدم ، في موسم الانتقالات .
ولكن الأمر اللافت في بيان المجموعة المنشقة، أنها خاطبت ايضا ، الحكومة الكينية ، مطالبة بضرورة اشراكها في محادثات السلام بين الحكومة ، والمجموعات غير الموقعة على اتفاق السلام المنشط ، والتي تشرع الحكومة الكينية في استضافتها. وهنا تنكشف حقيقة ونوايا المجموعة المنشقة والتي أعلنت انشقاقها في هذا التوقيت ، والذي يتزامن مع إعلان الحكومة الكينية بدء الترتيبات اللازمة لقيادة المحادثات.
فبعيدا عن صحة تلك الفرضية ونسبيتها ، فإذا كانت المجموعة المنشقة تبحث عن سلام حقيقي حقا، فلماذا لم تنضم إلى ركب الحكومة مباشرة بدلا من المطالبة بالمشاركة في محادثات السلام بنيروبي..؟؟!!
فالمنطق يقول هنا أن المجموعة المنشقة تحاول قطع الطريق على الجنرال سريلو، الذي لم يحسم أمر مشاركته في المحادثات التي تستضيفها نيروبي ، وذلك للتحفظات التي أبداها حول الدولة الراعية نفسها.
هذه الواقعة في حقيقة الأمر ، تعيد الى
الاذهان واقعة اخرى مشابهة حدثت إبان محادثات السلام بالعاصمة السودانية الخرطوم ، عندما أعلن الحنرال خالد بطرس انشقاقه عن جبهة سريلو ، والذي كان قد أعلن ايضا إقالة سريلو وتوليه قيادة الحركة انذاك، ومن ثم توقيع اتفاقية السلام المنشطة ضمن الحركات الأخرى في العام 2018.
فعلى الرغم من انضمام بطرس للحكومة بموجب الاتفاقية ، الا أن ذلك لم يلغي بالاساس وجود الجنرال شريلو على الارض، بل حتى الجنرال بطرس نفسه لم يضف للحكومة شيئا ملموساً للعملية السلمية ، سوى زيادة الاعباء الاقتصادية على خزينة الحكومة .
ما نريد ان نسوقه في هذا الصدد ، هو أن المجموعة المنشقة حالياً عن جبهة توماس سريلو، ليست ببعيدة عن سيناريو الجنرال بطرس ، الذي لم نعد نسمع عنه شيئاً بعد أن توارى عن المشهد السياسي بالبلاد .
ويبدو بانها تحاول اعادة ذات السيناريو، وممارسة الاستهبال السياسي ، للبحث عن موطئ قدم لها في المحادثات المزمع عقدها بنيروبي .
ولكن ماذا عن الحكومة..؟؟!
فهل تمارس ذات المنطق، وذات الهدف ، من أجل تحقيق كسب سياسي..؟؟؟!
فاذا ما تم طرح هذا التساؤل ، كم عدد المجموعات التي انشقت عن جبهة الجنرال فول ملونق وانضمت إلى الحكومة.؟؟ وما زالت ذات الحكومة تعاود التفاوض مع الجنرال ملونق في كل مرة…؟؟؟!
اذن ما المنطق من استيعاب كل هذه المجموعات المنشقة هنا وهنا ، إذا كانت المحصلة صفرية في نهاية الأمر .
فاذا كنا ننشد سلاماً حقيقياً يقود إلى تحقيق الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي في البلاد ، فيجب علينا أن ننأى بأنفسنا عن هذه الممارسات السلبية.
فهنالك تجارب كثيرة يجب أن نستحضرها في واقعنا الحالي واستيعابها للمستقبل، بدءا بانسلاخ الجنرال تعبان دينق عن مشار، والانشقاقات المستمرة لجنرالات الحركة الشعبية في المعارضة وانضمامها للحكومة، والتي يتقلد فيها مشار نفسه ، منصب النائب الأول للرئيس ، وفي نهاية المطاف لم نجني منها شيئا سوى المزيد من الانقسامات وعدم الاستقرار السياسي بالبلاد .
خلاصة القول ، من المهم أن لا تلتفت الحكومة إلى مثل هذه الانشقاقات في الوقت الراهن، بل يجب تركيز الجهود الجماعية لمحاولة إلحاق المجموعات غير الموقعة، بالعملية السلمية ، والمشاركة في الانتخابية القادمة في حال قيامها ، او المشاركة في الحكومة في حال التمديد للفترة الانتقالية .
فالمناخ السياسي الحالي غير مهيأ اطلاقاً لصب المزيد من الزيت على النار، في ظل التوترات المجتمعية الدائرة في ارجاء البلاد .