تداعيات انتهاكات ود مدني ومؤشرات التصعيد الدبلوماسي بين جوبا والخرطوم

بقلم: شوكير ياد
شهدت مدينة ود مدني في السودان مؤخراً سلسلة من الانتهاكات التي خلفت تداعيات خطيرة على المستويين المحلي والدولي، بالإضافة إلى تصعيد في التوترات الدبلوماسية بين جوبا والخرطوم. تمثلت هذه الانتهاكات في تعرض المدنيين في المدينة لاعتداءات من قبل القوات الحكومية، وهو ما أدى إلى إدانة واسعة من قبل المنظمات الحقوقية والمجتمع الدولي.
وقد تزامن ذلك مع تصعيد في العلاقات بين السودان وجنوب السودان، على خلفية تبادل الاتهامات بالتورط في دعم مليشيات مسلحة.
تسلسل الأحداث وتداعياتها
فعقب الأحداث المؤسفة في ود مدني ونشر مقاطع مصورة تصور بشاعة ما تعرض له مواطنون من جنوب السودان من قتل وحرق منهجي، بدأ الشارع الجنوبي في إثارة الأمر، وتبنى حملات إعلامية واسعة على وسائل التواصل الاجتماعي بقيادة كتّاب وناشطين من جنوب السودان، ينادون بمحاسبة المتورطين في هذه الأحداث المأساوية، وتوفير الحماية للجنوب سودانيين العالقين بمناطق الصراع وبحث سبل الوصول إليهم وإجلائهم.
وعلى الطرف الآخر، لم تنجح الحكومة السودانية في تهدئة الأوضاع من خلال تبني خطابات قوية تساهم في امتصاص غضب الشارع الجنوب سوداني. بل على العكس تماماً، فإن قمة الهرم العسكري، والتي يتمثل في نائب قائد الجيش السوداني ياسر العطا، بدأت وكأنها تسعى لتصعيد الأمور، وصرح بأن 65% من قوات الدعم السريع من جنوب السودان، مشيراً إلى بعض الأسماء في هذا السياق. بشكل أو بآخر، تمثل هذه التصريحات من قمة هرم السلطة قمة الاستفزاز والإهانة، حيث أنها تبرر بشكل صريح ما قامت به قوات الجيش السوداني من انتهاكات ضد مواطني جنوب السودان.
والغريب في الأمر هو تزامن هذا الخطاب مع خطاب رئيس الجمهورية سلفاكير، الذي دعا فيه إلى الهدوء وضبط النفس.
التصعيد الدبلوماسي بين جوبا والخرطوم
تلك التصريحات الرسمية السلبية من قيادة الجيش السوداني قادت جنوب السودان إلى تبني مسار جديد، وهو اتباع المسار الدبلوماسي مع المجتمع الدولي، والذي تجلى في خطاب وزير الخارجية رمضان محمد عبدالله قوج أمام مجلس الأمن الدولي. هذا الخطاب الذي قدمه قوج أثار حفيظة الحكومة السودانية، حيث أدانته وتوعدت بالرد على الخطاب الذي وصفته بغير المبرر وغير المقبول.
التداعيات الدبلوماسية بعد خطاب جنوب السودان
1. تبادل الاتهامات: التصعيد في ود مدني بدأ بالتزامن مع اتهامات من الحكومة السودانية لجارتها جنوب السودان بتورط مرتزقة جنوبيين في دعم المليشيات المتمردة في السودان. وقد أعلنت الخرطوم أنها أبلغت حكومة جوبا بذلك، لكن لم يتم اتخاذ خطوات فعلية لوقف هذا الدعم، ما زاد من تعقيد العلاقات الثنائية.
2. التهديدات بالتدخل الدولي: التصريحات
الرسمية التي أصدرتها وزارة الخارجية السودانية بشأن الانتهاكات في ود مدني وضعت جوبا في موقف الدفاع، حيث دعمت الحكومة السودانية مواقفها بحشد المجتمع الدولي ضد ما أسمته “التدخلات السلبية” من جانب حكومة جنوب السودان في شؤونها الداخلية.
3. الضغط على المنظمات الدولية: الحكومة الجنوب سودانية دعت الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي إلى التحقيق في الانتهاكات في ود مدني، وهو ما يفتح المجال لتصعيد دبلوماسي بين الخرطوم وجوبا في المحافل الدولية.
هذا التصعيد يتزامن مع جهود الحكومة السودانية لتسليط الضوء على دعم جنوب السودان للمليشيات المتمردة ضد حكومة الخرطوم.
4. القلق من التصعيد العسكري: رغم التنديد الدبلوماسي، فإن التصعيد السياسي قد يتجاوز الكلمات ليصل إلى إجراءات عسكرية محدودة، خاصة في المناطق الحدودية بين السودان وجنوب السودان، حيث لا تزال هناك توترات قد تؤدي إلى صراعات مسلحة.
5. مواقف الإقليم والمجتمع الدولي: حتى الآن، فإن التوترات بين جوبا والخرطوم قد جلبت انتباه بعض المنظمات الإقليمية مثل الإيقاد والاتحاد الإفريقي، بينما ظل المجتمع الدولي يراقب عن كثب هذه التطورات. وقد يكون لهذا التصعيد الدبلوماسي تداعيات على استقرار المنطقة ككل.
مؤشرات التصعيد الدبلوماسي
• تصريحات رسمية من الطرفين: تشير التصريحات المتبادلة بين الخرطوم وجوبا إلى أن كل طرف يواصل تبادل الاتهامات، مع استمرار نية الحكومة الجنوبسودانية في رفع القضية إلى محكمة الجنايات الدولية إذا لزم الأمر.
• التحركات العسكرية على الحدود: زيادة الحشود العسكرية على الحدود بين السودان وجنوب السودان، والتقارير حول تحركات المليشيات قد تثير مخاوف من اندلاع مواجهة مسلحة جديدة بين البلدين.
الخلاصة
تداعيات انتهاكات ود مدني قد تكون بداية لتصعيد أوسع بين جوبا والخرطوم، مع تأثيرات واضحة على استقرار السودان والمناطق المجاورة. في هذا السياق، قد تجد الحكومة السودانية نفسها أمام خيارات صعبة، سواء بمواصلة التصعيد أو التوجه نحو تفاهمات دبلوماسية قد تتطلب تنازلات من جميع الأطراف.
تداعيات التصعيد الدبلوماسي على المستوى المحلي في جنوب السودان
تصريحات السودان عقب خطاب وزير الخارجية قد تضع الخارجية الجنوب سودانية على المحك، فإما أن تقابل الأمر بالتصعيد، ذاته ، وهو ما يترقبه الشارع الجنوبي الذي يرى أن سيادة البلاد منتهكة من قبل السودان، وأنها لا تحترم سيادة جنوب السودان، أو قد تجنح حكومة جوبا إلى تهدئة التصعيد الدبلوماسي، لأسباب ترى أنها موضوعية . ومن الممكن في سياق ذلك أن يتم التضحية بوزير الخارجية، واستبداله بشخص آخر، وهو ما يُتوقع بالنظر للأوضاع الداخلية في البلاد.
فهل تخالف حكومتنا التوقعات وتضع مصالح شعبها فوق أي اعتبارات أخرى.