خطاب وزير خارجية جنوب السودان في الأمم المتحدة: دعوة جريئة للتدخل الدولي وتوترات متصاعدة مع السودان

بقلم/ فولينو جوض

مقدمة
في خطوة غير مسبوقة تعكس التغيرات الجيوسياسية المتسارعة في منطقة القرن الأفريقي، ألقى رمضان محمد عبد الله قوج، وزير الخارجية والتعاون الدولي بالحكومة الانتقالية المنشّطة للوحدة الوطنية بجنوب السودان، خطابًا خلال المداولات العامة للجمعية العامة للأمم المتحدة في يناير ٢٠٢٥. ركّز خطابه على الأوضاع المتأزمة في السودان، حيث دعا إلى تدخل دولي عاجل، من أجل الحد من تدهور الوضع الإنساني هناك.

جاءت هذه الدعوة في توقيت حساس، حيث تشهد العلاقات بين الخرطوم وجوبا توترًا متزايدًا بسبب تداعيات الحرب السودانية، وسط اتهامات متبادلة بدعم الفصائل المتحاربة. ومن هنا، شكّل خطاب الوزير الجنوبي نقطة تحوّل دبلوماسية، حيث خرجت جوبا عن موقف الحياد التقليدي إلى موقف أكثر صراحة، داعية المجتمع الدولي إلى تحمل مسؤولياته في معالجة الأزمة السودانية.

تصاعد التوتر الدبلوماسي بين جوبا والخرطوم

لم تمر تصريحات الوزير الجنوبي مرور الكرام، إذ أثارت ردود فعل غاضبة في الخرطوم، حيث اعتبرت وزارة الخارجية السودانية هذه التصريحات تدخلاً مباشرًا في الشأن السوداني، مؤكدة أن مثل هذه الدعوات تقوّض فرص التوصل إلى حل سياسي داخلي.

إلى جانب ذلك، جددت الحكومة السودانية اتهاماتها لجنوب السودان بدعم قوات الدعم السريع، متهمة جوبا بالسماح لمقاتلين جنوبيين بالتسلل عبر الحدود والانضمام إلى الصراع. وعلى الرغم من نفي حكومة جنوب السودان هذه المزاعم، إلا أن الخرطوم شددت على أنها قدمت أدلة موثقة على ذلك، مطالبة جوبا باتخاذ خطوات جادة لوقف تدفق المقاتلين.

بين المخاوف الإنسانية والمصالح الإقليمية

من منظور دبلوماسي، يحمل خطاب الوزير الجنوبي أبعادًا إنسانية وسياسية معقدة. فمن ناحية، تعكس دعوته إلى التدخل الدولي قلق جنوب السودان العميق إزاء تداعيات الحرب في السودان، خاصة في ظل تزايد أعداد اللاجئين السودانيين الذين يعبرون الحدود إلى جنوب السودان، مما يُشكّل ضغطًا اقتصاديًا وأمنيًا على الدولة الوليدة.

لكن في المقابل، فإن مثل هذه التصريحات قد تؤدي إلى تأزيم العلاقات مع الخرطوم، وربما تعرّض جنوب السودان لعواقب سياسية ودبلوماسية غير محسوبة. فمنذ استقلاله عام ٢٠١١، حرصت جوبا على تجنب الدخول في مواجهات مباشرة مع السودان، نظراً للروابط الاقتصادية والأمنية الوثيقة بين البلدين، لا سيما فيما يتعلق بتصدير النفط عبر الموانئ السودانية.

إشادة بخطاب الوزير الجنوبي: بين الجرأة الدبلوماسية والمخاطر السياسية

رغم الجدل الذي أثاره خطاب وزير الخارجية الجنوبي، إلا أنه يُعتبر تحركًا دبلوماسيًا جريئًا يعكس سعي جوبا إلى لعب دور أكبر في السياسة الإقليمية. فقد تميّز الخطاب بوضوح رؤيته وتحديده لمسؤوليات المجتمع الدولي تجاه الأزمة السودانية، مما قد يعزز مكانة جنوب السودان كطرف مؤثر في قضايا المنطقة.

لكن هذه الجرأة يجب أن تكون مدعومة بإستراتيجية دبلوماسية متوازنة، خاصة أن تصعيد التوتر مع السودان قد يؤدي إلى إغلاق قنوات الحوار، مما قد يؤثر سلبًا على الملفات المشتركة مثل النفط، والتجارة، والتعاون الأمني. ولذلك، فإن جوبا بحاجة إلى تعزيز جهود الوساطة الإقليمية بدلاً من الاكتفاء بالضغط الدولي، لضمان تحقيق نتائج ملموسة دون المخاطرة بعلاقاتها مع الخرطوم.

الخاتمة: نحو رؤية مشتركة للاستقرار الإقليمي

لا شك أن خطاب وزير خارجية جنوب السودان أمام الأمم المتحدة يُمثل نقلة نوعية في مواقف جوبا الدبلوماسية، حيث يعكس تحولًا من الحياد إلى المشاركة الفاعلة في القضايا الإقليمية. ومع ذلك، فإن نجاح هذه المقاربة يعتمد على قدرة جوبا على الموازنة بين الضغوط الدولية وعلاقاتها الثنائية مع الخرطوم.

على المدى القريب، تحتاج جنوب السودان إلى تفعيل القنوات الدبلوماسية المباشرة مع السودان، والعمل مع الاتحاد الأفريقي والدول الإقليمية لإيجاد حلول سلمية ومستدامة للأزمة. فبدلاً من التصعيد الإعلامي والسياسي، يمكن لجوبا أن تلعب دور الوسيط النزيه الذي يسعى إلى إيجاد توافق بين الأطراف السودانية، وهو ما سيعزز من مكانتها كدولة داعمة للاستقرار الإقليمي.

في النهاية، يُبرز خطاب وزير الخارجية الجنوبي في الأمم المتحدة التحديات المعقدة التي تواجه جنوب السودان في علاقته مع جاره الشمالي. وبينما يمكن اعتبار هذه الدعوة خطوة دبلوماسية جريئة، فإنها تحمل في طياتها مخاطر سياسية محتملة، ما يجعل من الضروري أن تواصل جوبا العمل بحكمة وتأنٍّ لضمان استقرارها الإقليمي ودورها في حل النزاعات، بدلًا من أن تصبح طرفًا فيها.

المزيد من المواضيع: